التاريخ: الجمعة, 29-مارس-2024 الساعة: 02:04 م
بانـورامـــــــا
شبكة أخبار الجنوب - نحاسيات في تعز

الثلاثاء, 25-يناير-2011
شبكة اخبار الجنوب - تعز - استطلاع/زيد المجاهد -

يمر الوقت بسرعة جارفاً في طريقه كل ما يمت لتراث الانسان اليمني بصلة ليحل مكانها اساليب حياة اخرى ,وذاكرة وهمية سرعان ما تزول لتظهر بدلا عنها فراغات اكثر حداثة ..ورغم التغيرات التي طالت كافة جوانب الحياة , إلا ان سوق الشنيني التاريخي بمدينة تعز يأبى المضي مع تيارات الزمن مختارا الصمود في وجه التقلبات وعدم تقديم أي تنازلات لموجات التسطيح والبهرجة الزائفة التي باتت تستولي على اعمال التجارة , ليبدو السوق بما يضم من بضائع وأبنية وحرف تقليدية مثل متحف تاريخي مفتوح أمام الزوار.
وفاء للعهد الأول
لا تزال معظم الحوانيت والمحلات في سوق الشنيني محتفظة بشكلها الذي أنشئت عليه أول مرة , فمعظم الدكاكين لا تزال مبنية من الحجر والطين سواء من الداخل أو الخارج , بينما لايزال السوق يحتفظ بتفاصيل حميمة لأزمنة زاخرة مضت إلا ان سوق الشنيني يرفض المضي قدما والتخلي عن شكل الحياة التي ولد عليها ,حيث ما تزال جدران السوق وحجارته العتيقة السمراء , وأروقته , تردد بود صدى القوافل التي كانت رحالها داخل السوق ,بشكل يوحي للزائر كأن قافلة الجمال مغادرة السوق الليلة الماضية فقط.
زهرة محروسة
يضم سوق الشنيني بين جنباته عالما زاخرا بنفائس من حضارة الإنسان اليمني فبضائعه المكدسة بطريقة بدائية داخل شوالات تستلقي بثقة امام الحوانيت دون أي شكل من أشكال الابتزاز الذي باتت تمارسه العروض التجارية لتعزيز النزعة الاستهلاكية , فمن الصعب أن تجد لافتة كهربائية مضاءة لجذب انتباه المتسوقين ,و تمتاز بضائع سوق الشنيني بخصوصية شعبية خالصة حيث تحتل صناعة الجبن مدخل السوق من الجهة الشرقية وهي حرفة اشتهر ت بها بعض نواحي محافظة تعز , وما يلبث الزائر التوغل في السوق انطلاقا من مدخله الشرقي الذي يتسم بالضيق والزحام ,حتى يتكشف له السوق على ساحة فسيحة ترتص على جوانبها الحوانيت ,وفي وسطها تتجمع العربات الخاصة ببائعي الوزف (نوع من السمك المجفف الصغير) وهي ساحة تتسم بالهدوء وانعدام الضوضاء بشكل ملفت للنظر فموقع السوق القائم بعيداً عن زحمة الاختناقات المرورية اضفى عليه لمسة ساحرة ليبدو السوق مثل ايقونة تاريخية حفظت بعيدا عن العبث.
حالة انسجام
وقد خلقت الوضعية البدائية للسوق حالة من الانسجام بين مبانيه القديمة وبضائعه الشعبية وحرفه التقليدية وابتعاده عن ضوضاء السيارات , مما يدفع المتسوقين الى الخروج من خنادق الحذق والمفاصلة ـ المبايعة ـ التي تعتري المتسوق الى حالة من البساطة و الانشراح.
تاريخ من كل الجهات
يمتد سوق الشنيني على مسافة (200)متر تقريبا بين باب موسى وباب الكبير من جهتي الشرق والغرب بينما يلتصق بما كان يعرف بسور المدينة سابقا من الشمال , ويرتبط بشبكة أروقة شريانية بسوق الباز ـ القماش ـ التاريخي من الجهة الجنوبية , وتعود تسمية السوق بالـ(شنيني) نسبة الى البوابة التي أحدثت بسور المدينة القديمة على مدخل السوق من الشرق , وقد كان غرض هذه البوابة هو شن وتصريف سيول الأمطار خارج المدينة ,لكن هذه البوابة التي أنقذت المدينة من خطر السيول على مدار أكثر من أربعة قرون ونصف انتهت بمفارقة تراجيدية على يد مشروع حماية المدينة من السيول عام (1990)م حيث انهارت اثناء عمليات الحفر والانشاء تحتها من اجل تشييد عبارات خرسانية للسيول , دون مراعاة لدورها ومكانتها التاريخية.. وقد مثل الشنيني في فترة ازدهاره سابقا المصدر الأول لتزويد سكان المدينة باحتياجاتهم من مختلف السلع سواء كانت أساسية أو كمالية .بعد ان كان سوقا أسبوعيا يقام في يومي الاثين والخميس من كل أسبوع قبل أربعة قرون تقريبا ,ثم عاد ليستقر على حاله الراهنة بعد قيام الثورة اليمنية عام (1962)م كسوق خاص بالمستلزمات الشعبية التقليدية.
ذاكرة زاخرة
ويضم السوق بين جنباته بضائع من تلك التي لم تعد تخطر على البال إلا نادرا إلى جانب تلك البضائع التي لا يمكن الاستغناء عنها إضافة الى ذلك النوع من البضائع التي لا يحتاج إليها المرء إلا في مناسبات قليلة في الحياة مثل استقبال المواليد ومتطلبات الدفن والموالد الدينية.. حيث تعرض في السوق انواع من تلك المشغولات المحلية التي اصبحت مهددة بالانقراض مثل مستلزمات حراثة الأرض بالطرق التقليدية اعتمادا على الماشية , وما يتطلبه ذلك من حبال جلدية محلية و(أطواف) تركب على ظهر الثيران , و(فدامة) وهي عبارة عن لجام مصنوع من لحاء أشجار النخيل , الى جانب المناجل والفؤوس والمعاول والمجارف والمطارق ,وأنواع الأواني الفخارية المصنوعة محليا لإعداد الأكلات الشعبية (حياسي ,قدور,أوعية ,مدر) الى جانب المواقد الطينية وصحون طينية لصنع اللحوح ,أطباق وبسط مصنوعة من القش ,سلال ومكانس، (حلقة) ,انواع الفلفل والثوم والبصل, أشكال وألوان مختلفة من البقوليات المجففة ,توابل وبهارات وغير ذلك من السلع .
رائحة التاريخ
ومن أوائل الأشياء التي تلفت الانتباه في سوق الشنيني هو ذلك العالم العبق بروائح شعبية خاصة فبينما كتب على عالم الروائح الزوال ,لا تزال روائح سوق الشنيني فائحة منذ عدة قرون , وهي روائح تصدر عن نفس تلك البضائع التي كان يستهلكها الآباء والأجداد سابقا.عندما كان غذاء الإنسان في اليمن يعتمد بشكل تام على ماتجود به طبيعة البلاد من خيرات شحيحة.
العطارة سحر الشرق
وتعد تجارة العطارة هي التجارة السائدة حاليا في سوق الشنيني ,وهي أيضا تجارة لم يطرأ عليها أي تغيير يذكر عن ما كانت عليه سابقا ,وتمثل واحدة من أهم السلع التي يقصد من اجلها السوق , يقول علي قاسم، تاجر عطار يعمل في السوق منذ (30) عاما: منذ العام (2008)م عاد الاقبال مثلما كان سابقا على التداوي بالأعشاب والسبب يعود إلى التوعية التي حصل عليها الناس من القنوات الفضائية , وحول طبيعة عمل العطارين في السوق يقول محفوظ الخدفي وهو تاجر يتوارث مهنة العطارة ابا عن جد: يأتي إلينا الناس وفي حوزتهم وصفات طبية من الأعشاب قررها لهم (السادة) أي الأطباء الشعبيون ونحن بدورنا نجمعها لهم بحسب الوصفة.
حرف تقليدية مهددة
لكن ليس كل شيء على مايرام بالنسبة لبقية المهن والحرف المتوارثة في السوق ,حيث يعاني أصحاب المهن الشعبية الأخرى من خطر التهديد بانقراض الطلب على منتجاتهم مثل الحدادين وصناع العصي للأدوات الزراعية ,وحرفيي نسج الخيزران , وصناع الأواني الفخارية من تناقص الطلب على مشغولاتهم ,حيث أصبح السوق يعج بالمنتجات المقلدة والمستوردة من الخارج, يقول صادق الزهري تاجر منتجات حرفية محلية :كل ما يصنعه الحرفيون المحليون أصبح يستورد مقلدا من الخارج ويباع بسعر أقل إلا انه اقل متانة من الصناعة التقليدية المحلية .
مواجهات مع الدهر
ليست المهن القديمة هي وحدها المهددة بالاختفاء من السوق فقط بل السوق برمته معرض لخطر الزوال فهناك الكثير من المحلات العتيقة أصبحت تعاني مشاكل التآكل فيما بدأ البناء الحديث يغزو بعض تفاصيل السوق ويفقده رونقه وأسرار تميزه وهو بحاجة الى لفت عناية قبل أن ينجرف الى بحر الفوضى.
التكرم بنظرة مسئولة
إطلالة واحدة على سوق الشنيني تجعل المرء يشعر انه قام بجولة سياحية كاملة عبر التاريخ , ولو كان هناك من يكترث بتنمية القطاع السياحي لحظي هذا السوق باهتمام اكبر ليصبح مقصدا سياحيا الى جانب كونه سوقاً تجارياً ,فالمزايا التي حافظ عليها السوق بشكل فطري تجعله مؤهلا لأن يصبح وجهة سياحية تضاف لتنوع المعالم السياحية في بلاد اليمن .


 
الجمهورية

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر