الثلاثاء, 11-أكتوبر-2011
شبكة أخبار الجنوب - ثريا الشهري ثريا الشهري - شبكة اخبار الجنوب - متابعات -

جاء في رسالة توفيق الحكيم إلى الصحافي أحمد الصاوي: «راقني وصفك للإضراب العام في باريس، وقولك إن تعطيل طرق المواصلات من «ترام» و«مترو» و«أتوبيس» لم يعطل نشاط الباريسيين، فهذا صحيح! بل إن ضرب باريس نفسها بمدافع الألمان أيام الحرب لم يؤثر لحظة في حياتها العقلية والذهنية والاجتماعية، فكان رجال العلم في معاملهم وقاعات بحثهم هُمْ هُمْ: ينظرون إلى عالمهم اللانهائي من خلال «الميكرسكوب» و«التليسكوب»، ورجال الأدب هُمْ هُمْ: يستقبلون تحت قباب المجامع الأدبية زملاءهم بذلك النثر الذي يُبقي على التاريخ، ورجال الفن هُمْ هُمْ: يعرضون نتائج ابتكارهم واتجاهات مذاهبهم في المعارض والصالونات، كما المسارح هيَ هيَ: تعج بالمشاهدين والناقدين».


ولأن الحكي لا يزال شاغلنا، فتجد أن الأخبار ونقلها والتمحور حولها كفيلة بتجميد حركتنا، والسبب أن مجتمعاتنا وعلى أوضاعها الحالية لا تزال ابتدائية الوعي، لم تحسم قيمة الوقت، لأنها لم تحسم معركتها مع قيمة العمل والإنجاز، فلا مانع من أن يضيع النهار تلو النهار، نعيد ونزيد في واقعة جديدة أو سالفة قديمة، وكأننا في كل مرة سنكتشف شيئاً لم ننتبه إليه، نجدد على ضوئه تقويم الموقف، فماذا إذاً؟ أليس للسياسة السياسيون، وللاقتصاد الاقتصاديون، ولكل منحى متخصصوه؟! فلم تتصف المسألة في دنيانا بطابع الفوضى؟ حياة أولية لم تتكون فيها عوالم منظّمة بعد، فأنت لا تستطيع أن تقول مثلاً إن في بلادي عالم الأدب والأدباء، وعالم العلم والعلماء، وعالم الاقتصاد والاقتصاديين بالمعنى المتعارف عليه في الأوساط المماثلة في الغرب، فكل مجموعة من تلك لم تستطع تنظيم نفسها تنظيماً يؤهلها لحصر جهودها وإنتاجها ومطالبها في منطقة بعينها برؤية موحدة، بل تداخلت التخصصات والطلبات، فيأتي المتخصص ويشتكي ولا يختلف في شكواه عن شكوى أبعد تخصص عنه، ولا حتى يتوافق في شكواه مع شكوى فئته ذاتها، فضاع التحديد والتركيز في زحمة التعميم والتطفّل.


كل ويدلي بفتواه في كله، وكل ويبدي الرأي في الوصفات السحرية لخروج البلاد من ورطاتها، فاختلطت الأجندات والأصوات وتضاربت حتى أوشك المركب بأهله على الغرق، أو كما في تصريح البرادعي: «مصر مهددة بالإفلاس في غضون ستة أشهر»، ولا شيء يدعو للدهشة من تحليل الرجل، فما المتوقع مع استمرار الاستجابة للطلبات الفئوية على حساب الاحتياطي العام للدولة؟ أم ماذا ننتظر، ومفهوم الاعتصام والاحتجاج يفرّغ كل يوم من معناه إلى مجرد بلطجة ووقف حال؟ هذه هي عجلة الحياة والإنتاج وقد شُلّت، ولا يزال مراهقو «التويتر» و«الفيسبوك» غير واعين لما جرّوا إليه أوطانهم، وبما تحملت عنهم بلادهم من جراء جهلهم المشبع بالحرمان وقلة الخبرة، فهذه تقنية الاتصالات، وأتت على قوم راديكاليين في أفكارهم، فزادتهم عللاً فوق عللهم، فاكتملت.


الكلام في أعرافنا وعاداتنا له الأولوية عن العمل، والوسائل في سياساتنا وتخليصنا لأمورنا تنقلب إلى غايات بطابور جاهز من المبرّرين، وتمضي السنوات، نصرخ بالحريات والاستقلاليات إلى أن تشاء السماء وتضعنا وجهاً لوجه مع الحرية والاستقلالية، وتقول لنا: «هاكم حريتكم»، فنتطلع حولنا، فلا ندري ما نصنع بها، فنحن نعرف الصياح والجدل، أما العمل المنتج فلم نتعرف على قوانينه بعد، أيكون قبل الصياح أم بعده؟ أيكون عملاً ثم صياحاً ثم عملاً؟ أم صياحاً ثم عملاً ثم صياحاً؟ أو يكون في خلق مواضيع جديدة للتصايح؟ إشكالية، ولكن المقاهي والمجالس وجدت لتنتظرنا، ولنحصر حديثنا هنا في شباب الثورات، فأين هم؟ شغلوا الدنيا وملأوها باحتجاجاتهم، فلما حان وقت العمل والمضي الجدي في حركة النهوض والتقدم، لجأوا إلى كهوفهم في عوالمهم الافتراضية، ذلك أن روح العمل وعبقرية الخلق لم تلقيا بعد ببذورهما في أراضينا، وكما قيل، يكفي خبر في صحيفة كي يصرف الناس عن الخلق والبناء إلى الحديث عنه، فالكلام له الصدارة، وبعده يأتي أي شيء آخر، ولن نتغير ما لم نتأكد أنها ممارسة العمل أولاً، فلا يجب أن يصرفنا عن العمل شيء، ولا حتى قيام ثورة!
suraya@alhayat.com
 
 

تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 17-مايو-2024 الساعة: 01:11 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.alganob.net/g/showdetails.asp?id=8327