شبكة أخبار الجنوب - الكاتب

الجمعة, 26-يونيو-2009
نزار العبادي -
على مدى سنوات عمرنا الماضية لم نتعلم غير كلمة مواطن التي نفهم منها ان فلانا هو ابن هذا البلد او ذاك لكننا منذ نحو العامين وجدنا انفسنا نحوم  على مفردة  (مواطنة) وترددها صحفنا كما لو أنها فلسفة جديدة تقتضي التدريب والتأهيل وحلقات النقاش.
ربما حجم المشاكل الموروثة عن العهود السابقة، شغلت مؤسساتنا الثقافية والمدنية عن مناقشة مفهوم المواطنة، وعن توضيح أبعاد العلاقة بين المواطن، والوطن، والدولة.. لذلك ما زال كثيرون يجهلون حقوقهم وواجباتهم، والبعض يستسلم للانتهاك الذي يطوله، لأنه لا يعرف أن في الدستور نصوصاً تمنع عنه هذا الانتهاك، والحال  نفسه عندما يقوم أحد المواطنين بفعل يعد في نظر القانون جريمة، أو انتهاكاً قانونياً، غير أن جهله بالنصوص أوقعه في الخطأ.. وهنا تبرز أهمية توعية المجتمع بحقوق المواطنة ووجباتها أيضاً.
 عندما يدور الحديث عن اليمن فإن لكل مواطن يمني حقوقاً كفلها له الدستور، وعليه أن يتمتع بها غير منقوصة، ويمارسها في حدود ما كفلته له التشريعات ما دام هو موصوف بـ «مواطن يمني» وبالمقابل فإن هذه الصفة تفرض عليه مسئوليات  أيضاً  مبينة في الدستور واللوائح القانونية، وبالتالي عليه أن يؤدي مسئولياته غير منقوصة مادام يسمى نفسه (مواطناً يمنياً).. أي أن المسألة تقترب جداً إلى (العقد الاجتماعي) الذي وضعه المفكر الفرنسي (جان جاك روسو).. فكيف يمكن للمرء أن يعتبر نفسه مواطناً يمنياً إذا لم يتمتع بحماية أجهزة الدولة  مثلاً،  أو يكون له حق الانتخاب والترشيح، أو حق الرعاية الصحية في المستشفيات العامة، وحق الحصول على وظيفة طبقاً لمؤهلاته، أو تعليم أبنائه في المدارس الحكومية، أو الانتماء إلى  الحزب الذي يريد.. وغير ذلك كثير.. أيضاً كيف للمرء أن يعتبر نفسه مواطناً يمنياً ويطالب بكل حقوقه الآنفة، في الوقت الذي يرفض الدفاع عن وطنه إذا تعرض إلى تهديد أو يرفض المشاركة في عملية البناء والتنمية الوطنية من موقعه، وبمؤهلاته، أو يأخذ  بالتعامل مع جهات خارجية ضد بلده، أو يخون شعبه فيجرهم إلى فتن وبلاء يلحق بهم الأذى.. وغير ذلك من الالتزامات التي تقع على أي شخص ينسب نفسه إلى بلد ما.. أمس بعد أن تحدثت مع الأخت سعاد القدسي، ومر الذكر على قضايا المواطنة سألني صديق كان برفقتي عن (المواطنة) وبعد أن شرحت له بعض الأمور، عاد ليسألني: ماذا لو أن الدولة عجزت عن إيجاد فرصة عمل لي، هل إن ذلك يلغي مسئولياتي إزاء الدولة؟
والجواب هو بالتأكيد لا يلغيها، ما دامت الإمكانات المادية للدولة محدودة، وفرص العمل محدودة، وهناك جهد حكومي مبذول لتقليص معدلات البطالة وزيادة فرص العمل، بما في ذلك «يمننة الوظائف»! وهذا يقابله عند الفرد حق مماثل عندما يكون معاقاً - لاسمح الله - كأن يكون ضريراً، فحينئذ تسقط عنه مسئولية الدفاع عن الوطن عندما يتعرض إلى تهديد.. فالأمور تحسب في حدود الإمكانات المتاحة.. فليس من المعقول أن يطالب أحدنا الدولة أن ترخص لمن يرغب بفتح نوادٍ للشواذ، باعتبار أن ذلك حق مكفول للمواطن الأمريكي أو بعض دول أوروبا، ولا أحد يخجل منه هناك. فلكل مجتمع قيم معينة، وخصوصيات، وعقائد تدخل في صلب تشريعاته القانونية والدستورية.. وهذا الحال ينطبق على المقارنة مع مواطنين عرب في بلدان أخرى، وليست أجنبية.. فالحقوق والواجبات  يعينها الدستور، الذي هو أصلاً موضوع من قبل الدولة بعد استفتاء الشعب العام عليه، وموافقته على ماجاء فيه مثلما حدث في اليمن عام 2001م.
وعلى كل حال فإننا فعلاً بحاجة إلى تعزيز مفهوم المواطنة في صفوف المجتمع لكي يعي الناس  حقوقهم وواجباتهم... فبعض الانتهاكات للحقوق تحدث لأن المواطن لايعرف حقه، ولو علم بحقوقه لما استطاع موظف في دائرة ما أن يتجاوز عليها، لأنه حينئذ سيلجأ إلى الجهة الأعلى للتظلم، ثم الأعلى، وصولاً إلى رئيس الجمهورية عندما تغلق جميع الطرق الأخرى أمامه.. لكننا نرى أن الكثير من الناس عندما يتعرقل أمر معاملته يقفز في الحال إلى دار الرئاسة ليتظلم دونما المرور بالمراحل التي تسبقها.. لو مارس المواطن حقه وفق الأصول لامتنع عن تقديم الرشوة لموظف، ولرفض أي ابتزاز من قبل أية جهة.. وكذلك لأخلص في وظيفته، وولائه لوطنه، ولما سمح لأحد بالتطاول على بلده أو التمرد على سلطة القانون.. فالعلاقة في النهاية شراكة حقوق وواجبات، وكل يكمل الآخر  الفرد والدولة.
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 17-مايو-2024 الساعة: 05:50 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.alganob.net/g/showdetails.asp?id=335