الخميس, 04-مارس-2010
شبكة أخبار الجنوب - د - فائد اليوسفي د-فائد اليوسفي - شبكة اخبار الجنوب -

كثيرا ما نسمع هذه الايام مطالبات هنا ومظاهرات هناك ونداءات هنا واعتصامات هناك. كل هذا من اجل قضية الاقليات وحقوق الاقليات وحق تقرير مصير الأقليات. وقد لقيت هذه القضية رواجا على مستوى المنظمات الدولية، السياسية منها والإنسانية. إستغلها المنادون بها من أبناء الأقليات فى هذه الدول لكى يحققوا بعض المصالح الشخصية، كما استغلتها دول كبرى لتكون ورقة رابحة للمساومة والإبتزاز السياسيين. وفى هذا الموضوع سنفتح هذا الملف الشائك الذى قد يفرح بعضهم ويغضب اخرين.


 


مقدمة:


لا انكر أن هناك تركيز على تصرفات الأقليات مما يشعرها احيانا بعدم الحرية والاضطهاد. وهذا الإضطهاد قد يكون حقيقيا وله اسباب (مقبولة ام غير مقبولة)، وقد يكون نتيجة استغلال بعض القوى السياسية لمشاعر البسطاء وإيهامهم بان هناك إضطهادا، ونادرا جدا ما يكون الاضطهاد لمجرد حب الاضطهاد. 


الإضطهاد الكلى غير موجود او نادر ولكن هناك اضطهاد جزئي يمارس بشكل يومى حتى على مستوى الاسرة والقبيلة والدولة، وعموما إن مسببات الإضطهاد مشتركة بين المضطهِد والمضطهَد وعلى الطرفين الإتفاق اولا على الخطوط الحمراء والمفاهيم الاساسية كى نتجنب الكوارث التى تنشأ عن المفاهيم المغلوطة حسب الهوى، ومن ثم يجب أن يتفهم كل طرف دوافع وخصوصيات الطرف الأخر ويقدم تنازلات احيانا كى تستمر السفينة فى الابحار.


 


   


1- سؤ تصرف الاقليات اهم أسباب إلإضطهاد من قبل الأكثريات:


إن أحد أهم الأسباب لإضطهاد الأقليات هو سؤ تصرف هذه الأقليات بقصد أبو بدون قصد. فمثلا ما كان يقال من أن صدام يضطهد الأكراد كان نتيجة لتواطؤ بعض الزعامات الكردية ضد نظام صدام. وسواءا كان ذلك بقصد منهم ويدخل ضمن خانة الخيانة والتامر مع الاجنبى وبالتالى ما اصابهم ليس لكونهم أقليات بل لكونهم خونه وما جرى عليهم كان سيجرى على غيرهم حتى لو كانوا من الأكثريات. فالخائن خائن والعميل عميل وليس له دعوة كونه من الاقليات او الأكثريات.


 


وقد يكون تصرف هذه الاقليات لنيل الحضوة عند كثير من الاطراف فترى هذه الاقليات لشعورها بالخوف تداهن هذا وتنافق ذلك وتبقى كل الابواب مفتوحة على كل التيارات وفى كل الإتجاهات خوفا من تقلبات الزمن وهذا واضح فى تصرفات بعض اقباط مصر حيث تجدهم لا يشاركون اخوانهم من المسلمين نفس الهموم وقوة المواقف تجاه تصرفات بعض الدول الغربية مثل تصرفات اسرائيل ضد غزة او احراق المسجد الاقصى، او قضية شتم النبى محمد صلى الله عليه وسلم او احراق القرآن.


 صحيح ان المسيحيين يكرهون اليهود دينيا ولكن يجب عليهم مشاركة أخوانهم المسلمين فى همومهم وقضاياهم المصيرية، ويجب ان لا يكون هناك فجوة ثقافية بين المسلمين والمسيحيين فى مثل هذه القضايا، فهل يعقل أن لا يدين المسيحييون إحراق القرآن او الإساءة للرسول الا بطلب منهم، اليس الحال سيكون افضل لو بادر المسيحيون الى مثل هذه الإدانات وسيكسبون ود الأكثرية المسلمة.


إن حق تقرير المصير وحقوق الأقليات جعلت الأقليات تنتهج مبدأ المواجهة والمصادمة مع الأكثريات، بل وجعلت الأقليات تبحث عن نقاط الخلاف مع الاكثرية كى تطالب بحقوق إضافية، ولو نظرنا الي هذه الحقوق نجدها ظاهرها حقوق وباطنها إمتهان للأكثرية. فما يطالب به أقباط مصر مثلا الغاء الحكم بالشريعة الإسلامية متناسين ان اكثر من 80% مسلمين. ومثل هذا المطلب ظاهره حق الحرية الدينبة والمساواة فى المواطنة وباطنه إمتهان وتحقير لهوية مصر كونها دولة مسلمة. ولا أرى هذا المطلب عقلانيا وحصيفا! فما هو الضرر الذى سيقع على المسيحى من تطبيق الشريعة الإسلامية؟!!! وعلى كل حال فمصر لا تطبق الشريعة السلامية بحذافيرها ومع ذلك نجد مثل هذه المطالب الإستفزازية.


ما هو الضرر الواقع على أقل من 20% من الاقباط من تطبيق قانون يسرى على اكثر من 80% من المصريين؟ لماذا لا تقبل الاقليات بقانون يُنفذ على الجميع سواءاً كان قانون الاكثرية او غيره، ما يهم هو أن ينفذ على الجميع بالعدل. ومع ذلك فيمكن للاقباط أن لا يحتكموا للقانون الاسلامى لو ارادوا فى القضايا التى بينهم كمسيحيين. أما ان يطالبوا بإلغاء الشريعة الاسلامية كاساس التشريع ففيه إمتهان للأكثرية ولهوية الدولة الإسلامية. فالمسيحى يتزوج فى الكنيسة ويطلق فى الكنيسة ويصلى فى الكنيسة، فماهو الضرر الواقع عليه من تطبيق الشريعة الإسلامية؟


 


وهذا الكلام ينطبق على الأقليات المسلمة فى اوروبا وأمريكا. فالتشريع المسيحى هو الغالب على دساتير هذه الدول ولذلك فتعدد الزوجات فى امريكا يجرمه القانون. وكون الاغلبية فى امريكا راضية بهذا القانون فلا يعقل أن يطالب المسلمون بتعدد الزوجات كقانون فى امريكا، بمعنى لا يعقل ان نفرض عليهم تطبيق الشريعة الإسلامية، ونطالب بإلغاء قوانينهم، ولكن يمكن المطالبة بتعدد الزوجات للمسلمين كقانون خاص بهم. بمعنى أن الطريقة التى يتم بها طرح الموضوع مهمة جدا. فعندما اطالب بحقوق تخصنى كمسلم يختلف عن مطالبتهم تغير قانونهم بإباحة التعددية او أن أطالبهم بتطبيق الشريعة الإسلامية. لان الطريقة الثانية فيها استفزاز والغاء للآخر، فأمريكا واروبا اساسا دول غير مسلمة. أى أن مطالبتى بحقوقى يجب ان لايكون على حساب الأخرين. وهذا يتماشى مع المثل "إذا كنت فى روما فافعل ما يفعله الرومان"، أى التزم قوانينهم، لا كما يفهمه البعض إذا شربوا الخمر اشرب.


 


مثال آخر على سؤ تصرف الأقليات فالأكراد سواء فى العراق اوتركيا او إيران، عندما يطالبون بتكريس الهوية الكردية فهذا يؤثر على الهوية الوطنية العراقية والتركية والايرانية. فعندما يطالب هؤلاء بجعل اللغة الكردية هى اللغة الرسمية للاكراد ويتم التدريس بها، فهذا المطلب هو تكريس للإنفصال. ولهذا نشاءت مشاكل الأكراد مع الحكومات التركية المتعاقبة، لان ما يعتبره الاكراد حقوقا، يؤثر على تركيا كدولة. فالمطالبة بتكريس الهوية الكردية فى تركيا يؤدى الى وجود هويتين مختلفتين بمعنى "الإنفصال"، وهذا يؤثر على تركيا ككل بكافة أعراقها اكثرية واقليات اخرى تعيش فى كردستان. ولو ارادوا الحقوق فعلا والقانون لتكلموا الكردية بكل اريحية ولكن ان تصل مطالبهم الى الانفصال تحت مسمى كاذب هو الحفاظ على الهوية الكردية فاعتقد انهم لن يخرجوا من حالة التصادم أبدا.


 


إذا فسؤ تصرف الاقليات الكردية فى الدول الثلاث هو سبب المشاكل وليس تصرفات الأكثرية، لأن مطالب الأقليات تؤثر سلبا على الدولة ككل (العراق وتركيا وايران). فالأكراد لايريدون حقوق مشروعة بل يريدون تقسيم الدول والإنفصال بمطالبهم هذه. وعلى هذه الأقليات الكردية أن تختار بين التصادم الابدى مع الدول الثلاث، أو أن تتعايش وتهذب مطالبها بما لا يضر المصلحة الوطنية للدول الثلاث. لقد وصل الحال من سؤ تصرفات هذه الاقليات أن تُعلن حكومة وبرلمان بل ورئيس فى كردستان العراق، فأى حقوق أقليات هذه؟!!! واصبح الان ماكانت تسمى اقليات كردية فى العراق الواحد، اصبحت اكثريات كردية فى كردستان واصبح المنتمين للاكثرية السنية والشيعية فى العراق اقليات فى كردستان، وهكذا سنظل ندور فى دائرة مغلقة اقليات ثم اكثريات ثم اقليات ثم اكثريات وهكذا. ولهذا سيطول إضطهاد الأكراد لانهم لا يحترمون الأكثرية ليس لان الاكثرية لاتحترم الاكراد.


 


2- إختلاف المفاهيم:


أختلاف المفاهيم التى لا تقبل الإختلاف حولها تعتبر السبب الثانى لإضطهاد الاقليات، لان أختلاف المفاهيم بين شرائح المجتمع تؤدى الى الصراعات والتى ينتج عنها منتصر ومهزوم وبالتالى مضطِهد ومضطهَد. فعندما يصبح مفهوم الوطنية يصعب تمييزه من مفهوم الخيانة تلغى كل الخطوط الحمر وهذا شىء خطير.


 


لنرجع الى الاكراد فبالرغم من ان صدام كان عادلا معهم فى حقيقة الامر وميزهم بميزات كثيرة (وهذا ايضا خطأ حتى ولو كانت الثروة فى اراضيهم) الا أن طمع بعض الاطراف الكردية فى مزايا اخرى جعلتهم يشيعون حالة التذمر فى المجتمع الكردى. وتعاون الاكراد مع إيران وهم لايرون فى هذا خيانة مع أنها خيانة، بل ان بعضهم رأها واجب وطنى كردى مقدس. ولما عوقبوا لخيانتهم اظهروها على انها إضطهاد عنصرى لأنهم اقليات. فلما حصل هناك خلط بين الخيانة والوطنية نتجت المشاكل الكارثية.


 


ومثل الأكراد، الحوثيون فى اليمن تعاملوا مع إيران وهم لا يعتبرون هذا خيانة بل أن مفهوم الجهاد تبدل.. فهم يرون قتل اليمنى مواطنا كان او جنديا... جهادا. ومثلهم القاعدة والإنفصاليون فى جنوب اليمن يعتبرون قتل الشمالى وطنية ودم الشمالى هدر. فلذلك مارسوا جرائمهم وغرروا بمن معهم لأنهم لعبوا على نقطة تغيير المفاهيم.


ولذلك وبعد إنتهاء حرب صعدة فأنا اجزم أن الحوثيين سيتعرضون للإضطهاد الذى لم يكن موجودا قبل حروب صعدة. وذلك بسبب مفاهيمهم المعادية والتى تمس الاكثرية وتمس الوطن. فهم يوالون إيران ومرجعيات قم والنجف اكثر من المرجعية الوطنية اليمنية، كما تفعل الشيعة فى العراق، وهؤلاء لايرون مثل هذه التصرفات خيانة مع انها خيانة. كما أنهم وحسب ايدلوجياتهم يعتبرون أنفسهم مضطهدين من قبل أعوان يزيد بن معاوية (فمن لا يتبع الحوثى يتبع يزيد = الشعب اليمنى كله)، كما ان مفهومهم للدولة يقتصر على ال البيت، وكل من دونهم عبارة عن عامة وخدم. فهذه المفاهيم ستدخلهم فى صدام مع الأكثرية وحتما إضطهادهم. ولذلك يجب عليهم أن يراجعوا أنفسهم ويغيروا هذه المفاهيم الدخيلة على مجتمعنا. فلا هناك يزيد ولا هناك على، ونحن فى القرن 21، ولا هناك سيد ولا عبد ولا ولاية فقيه ولا يحزنون. كما يجب عليهم ان يدركوا أن تعاملهم مع إيران يعتبر خيانة وطنية.


إن إختلاف المفاهيم عند الحوثيين قادتنا الى 6 حروب حتى الآن. فأتباع الحوثى يعتبرون الجيش اليمنى "جيشا لليهود وامريكا" تحت شعارهم الزائف المضلل الموت لامريكا واليهود، وقتل الجيش اليمنى عندهم جهاد وتقرب الى الله ولذلك فالحوثى كان يقتل ويقتل على انه يقاتل تحت راية المهدى سيده "حسين الحوثى".


 


أما الإنفصاليين فى جنوب اليمن فتراهم يروجون لمفاهيم مغلوطة مثل التحرير ومحاربة الاحتلال، والهدف من هذا هو التحريض على الشماليين بل وعلى الجنوبيين الوحدويين (على أنهم عملاء إحتلال). هؤلاء الإنفصاليين هم من يجعلون من أنفسهم اقليات، بل ويسيئون التصرف. وقد يتم إضطهادهم من قبل الشعب بعد ذلك ومن قبل النظام وكل الوحدويين. كما ان تصرفاتهم الإجرامية قد تؤثر عليهم فى المستقبل. لذلك فالإنفصاليون هم من يصنعون اقليتهم ويظلمون أنفسهم "وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون".


 


وللأسف أن ممارسة تغير المفاهيم مورست حتى على مستوى رموز المعارضة التى كان يفترض أن تكون وطنية فنجد المعارضة والى الأمس او قل ما زالت الى اليوم تعتبر الحراك الجنوبى سلمى مع انه مجرم من أول يوم ومنذ مؤتمر تصالح أبناء الجنوب. كما ان المعارضة بررت للحوثى وأقنعت انصارها بان الدولة السبب، الى درجة أن رموز المعارضة يصلون على قتلى الحراك ولا يصلون على قتلى رجال الأمن. إذا هناك مفاهيم مغلوطة عند المعارضة فكل ما كان يفعله الحوثى والحراك مببرا وسلمى وكل تصرفات الدولة التى تقوم بواجبها مرفوضة. فمفهوم الدولة ومسؤلياتها تجاه مواطنيها عند المعارضة مشوهة ومغلوطة رغم تشدقهم ببناء الدولة. بل إن هذا الخلط فى المفاهيم وصل لدرجة أن يقول رموز المعارضة أن الحراك الجنوبى سلمى بل هو قمة التحضر ويعتبرون الحراك بشكله الحالى هو علامة حياة للشعوب وبداية نهضة. مع ان هذا الحراك مجرم فى نشأته، مجرم فى مطالبه، مجرم فى قياداته، مجرم فى آلياته وتصرفاته، ولو رجعتم الى الأحداث وملف جرائم الحراك لوجدتم انه قائم على الإجرام ولا يوجد فيه اى تحضر بل هو همجية فى همجية. وايضا  تجد المعارضة فى اليمن تتهم شرطى الامن وتبرر للخارج عن القانون، لماذا؟ لان هناك تطويع للمفاهيم الانسانية بما يخدم أهوائها. إن إتباع الراى الهوى كارثة، لانه يُنتِج تغيير المفاهيم، فالظلم يصبح عدلا، والاجرام شجاعة، والخروج عن القانون يصبح نظالا، وتدمير منجزات الشعب يصبح بناءا. والحق سبحانه وتعالى حذرنا من إتباع الهوى..قال جل جلاله " أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون " .


 


ما يحدث فى العراق، هو أن بعض متطرفى السنة يجيزون قتل الشيعى ويعتبرونه جهادا وواجبا دينيا وتقربا الى الله، وفى نفس الوقت يقتل المتطرف الشيعى السنى بنفس المفهوم المغلوط للجهاد والتقرب الى الله. مع أنه "لا هذا يجاهد ...ولا الاخر يجاهد".


كما أنه فى العراق يوجد الخبص فى كثير من المفاهيم. فتجد كثير من العراقيين يحملون نظام صدام المسؤلية عن كل ما جرى ويجرى فى العراق ويعتبرون حربه ضد إيران جريمة ولا يدينون تدخل وشبه احتلال إيرانى للعراق. قالوا على صدام ظالم ولما ساعدتهم دول الخليج فى إزاحة الظلم عنهم، قالوا أن دول الخليج هى من ساعدت الإحتلال واتهموها بالعمالة والخيانة مع انهم جاءوا على ظهور دبابات الخيانة. فالهرم السلطوى الحالى فى العراق يرى امريكا محررة ولا يرى دول الخليج الذى ساعدت فى التحرير كذلك. بل ان ساسة العراق يرون تدخل العرب تدخلا سافرا ولايرون تدخل إيران بنفس الطريقة. وعلى العراقيين توحيد مفاهيمهم حول الوطن والوطنية والعروبة والإنتماء والموقف من إيران والعرب بما يخدمهم كعراقيين ثم كعرب. بل إن هذا اللغط وصل الى تجريم وصول البعثيين والصداميين وكل من لا يعجب تحت هذه التهمة، وكم كنت أتمنى أن يُضَم الى هذه القائمة كل خائن وعميل لأمريكا وإيران واسرائيل. فهل خطورة إنسان يحب المرحوم صدام فى القبر أو كان مواليا له، والذى اصبح لا حول له ولاقوة، أكبر من خطورة عميل لاسرائيل وايران وامريكا ذات الايادى الطويلة فى العراق.


 


إن الإختلاف حول المفاهيم الاساسية التى لا يجب ولا يجوز الإختلاف عليها كارثة بمعنى الكلمة وسبب الإختلاف فى المفاهيم هو تسخير هذه المفاهيم لما يناسب الهوى. فهوى النفس آفة. فعندما تحاصَر غزة بدون سبب وتحتج غزة باطلاق صاروخ اواثنين تقوم اسرائيل بدك غزة على رؤس اهلها وكأنّ أهل غزة هم المعتدون لان إسرائل تطوع المفاهيم حسب هواها، وعندما يقتل الجندى الاسرائيلى طفلا فلسطينيا وهو جريمة وبالمفهوم العالمى وبجميع المقايسس ولا يختلف إثنان على انها جريمة، ويأتى المتحدث باسم جيش اسرائيل بل واعلى رتبة فى اسرائيل ليقول أن الجندى يقتل هذا الطفل دفاعا عن النفس، فهنا يتغير مفهوم الارهاب الى مفهوم الدفاع عن النفس حسب الهوى الاسرائيلى... وهنا الكارثة. فإذا كان قتل الطفل الفلسطينى مفهومه عند الاسرائيليين انه دفاع عن النفس فما مفهوم الارهاب عندهم.


إذا كان هدم البيوت على رؤس اصحابها وقلع اشجار الزيتون عدلا وإصلاحا بمفهومهم فماهو الظلم والفساد عندهم. وإذا كان احتلال اراضى الغير عندهم هو توسع طبيعى فماهو الاحتلال بمفهومهم. ولهذا مشكلة فلسطين ليست مشكلة حدود فقط بل هى مشكلة وجود ومشكلة مفاهيم، ولذا يجب على اسرائيل أن تغير مفاهيمها لكى تتماشى مع ما يفهمه العالم كل العالم حتى تستطيع العيش فى هذا العالم.  فلا لايمكن أن تعيش فى هذا العالم بمفاهيمها الحالية.


 


3- العامل الخارجى:


إستغلت الدول الكبرى جهل بعض الأنظمة الشمولية فى العالم وجهل المجتمعات بالقانون الدولى وسؤ تفسيره، فأوحت الى بعض دول العالم أن حق تقرير المصير هو حق مشروع وعادل بل وروجت لآلية حق تقرير المصير الحالية "التى يصوت فيها الاقليات على انفصال بعض اجزاء الوطن الواحد دون مراعاة للأكثرية وباقى الاقليات". ومع استقطاب الدول الإستعمارية التى تهيمن على القرارات الدولية لمعارضين من ابناء الاقليات وفى اطار المصالح الإنتهازية بين هؤلاء المعارضين وهذه الدول الكبرى، تحول هؤلاء المعارضين العملاء الى ملائكة ومدافعين عن المظلومين ومنادين بحق تقرير المصير الزائف لهذه الأقليات.


 


إن حق تقرير المصير وحقوق الاقليات ما زال يُستغل اسواء إستغلال وللأسف داخل أهم منظمة دولية وهى الامم المتحدة. هذا الحق استغله المهيمنون على مجلس الأمن لجعله سيفا مسلطا على الدول التى تشكل عقبة فى وجه مشاريعهم الاستعمارية. ولم يسلم من هذا الساطور حتى الدول الحليفة والديمقراطية مثل تركيا. وبما ان تركيا ديمقراطية وحليفة ومفيدة للإستقرار فى المنطقة نرى أن هذا الساطور مازال فى غمده.


 


ونتيجة لإستغلال السياسيين من هؤلاء الأقليات من المعارضين للانظمة العربية ووجودهم فى دول (ديمقراطية) فقد عملوا على تشويه صور دولهم وحكوماتهم على أنها تضطهد الأقليات، مستغلة حقيقة الحكم الشمولى فى معظم هذه الدول وموهمة الأنظمة العالمية أن الأقليات مضطهدة. وللاسف نجد المواطن البسيط من الأقليات فى هذه الدول يُرجع كل مشاكله التى يعانى منها كل الوطن، الى الإضطهاد المصطنع، بل ويرجع كل اسباب فشله الى أنه بسبب الإضطهاد الغير موجود اصلا، ولهذا نجد أذانا كثيرة تسمع لهذه النداءات الشاذة القادمة من خارج البلد على لسان أبناء البلد.


ومع سؤ إدراك هذه الأقليات لخطورة مثل هذه الدعوات الشاذة – حقوق الأقليات وتقرير المصير- معتقدين ان أمريكا او هذه الدول الإستعمارية تملك مفاتيح الحل وانتشالهم من كونهم أحد مكونات الوطن الى وطن مستقل، ومعتقدين أن المساعدات والدعم سينهال عليهم وأن الغرب سيفتح لهم الاحضان كونهم اصبحوا مستقليين، ومعتقدين أن حالة الفشل ستتحول الى نجاح والفقر الى غنى الى مثل هذه الإعتقادات الخاطئة، تراهم يراهنون على الغرب بل ويستفزون الأكثرية بالإحتماء بالأجنبى ويبدأون بممارسة الإبتزاز على كافة الأصعدة. ومثل هذه التصرفات هى من تؤدى الى الإضطهاد الذى لم يكن موجودا أصلا.


 


4- الشعور المرضى بالإضطهاد:


          إن من يروجون لمشاكل الاقليات فى وطننا العربى ما اراهم الا مرضى نفسيين يسيرون عكس إتجاه التيار، هؤلاء يعانون مما يسمى بحالة الشعور بالإضطهاد ويعممون هذا الشعور على الباقين رغم أنه لا اضطهاد ولاهم يحزنون، وما يشكوا منه القليل يشكوا منه الكثير. إن الإنسان السوى يرى الواقع كما هو، فهو يرى نفسه مثل مواطن الاكثريات له نفس الأمال ويعانى نفس الألآم، ولذلك يتصرف ضمن المنطق وضمن الواقع. لكن الإنسان المريض والذى قد يكون احسن حالا ومالا  ومنصب وجاه، يعانى من مرض الشعور بالإضطهاد فيقول: "انا مضطهد ونحن مضطهدون لاننا اقلية لاننا ضعفاء" ويزداد عنده هذا الشعور المرضى الى أن يصبح مرضا حقيقيا، وهذا يصدق قول الرسول صلى الله عليه وسلم "لا تتمارضوا فتمرضوا فتموتوا". وهنا تحضرنى النكتة التى يرى فيها احد المرضى النفسين نفسه حبة قمح ويهرب عندما يرى الدجاج. فلما ذهب الى الطبيب النفسى والذى بعد جهد جهيد أقنع المريض انه انسان وليس حبة قمح. يقول المريض للطبيب أنا مقتنع أننى إنسان ولكن من يقنع الدجاجة.


 


          أنا هنا لا احمل الأقليات كافة المسؤلية عن اى اضطهاد يحصل ولكنى اتكلم عن محيطنا العربى فأنا لا ارى إضطهادا للاقليات فى الوطن العربى، وشعور بعضهم بالإضطهاد ما هو الا شعورا مرضيا وليس عن واقع. بل فى وطننا العربى نجد أن الأقليات تتمتع بكافة حقوقها طالما ان هناك إحترام للثوابت الوطنية، الى درجة أننا نجد ما يسمى اقليات تحكم فى بعض بلداننا العربية، ودون أن ترى الأكثرية غضاضة من كون الحاكم من الاقليات، طالما انه يحترم الجميع ويحترم الثوابت الوطنية. ويُـعــتـَــبَـرالوطن العربى بل والاسلامى هو احسن مكان تحترم فيه الاقليات، حتى مع وجود الانظمة الشمولية، لدرجة أننى أكاد اجزم أنه لا يوجد أقليات فى الوطن العربى بالمفهوم الغربى.


 


إن أفضل مثال على الشعور المرضى لدى الاقليات بالإضطهاد هو اليهود. هؤلاء اليهود أساءوا التصرفات فى اوروبا إبان الحرب العالمية الأولى وتعاملوا مع الغريب ونتج عن سؤ تصرفهم إضطهاد حقيقى وإحراق الكثير منهم. وهاهم الآن يحتلون فلسطين ويحكمون ويملكون أقوى دولة فى الشرق الاوسط ومع ذلك فإن الشعور المرضى بالإضطهاد مازال يلازمهم، ولهذا نجد إسرائيل تحاول دفع هذا الشعور المرضى عنها بممارسة الإضطهاد للاكثرية العربية فى فلسطين والعرب كدول لتعزز ثقتها بنفسها. ولذلك عندما تقول الاقلية انها مضطهدة فابحث عن سؤ تصرفاتها وبعد ذلك إبحث عن الأساب الأخرى. وعندما تقول الأكثرية أنها مضطهدة فآخر إحتمال يكون سؤ تصرفاتها. لانه عندما تشعر الأكثيرة بالإضطهاد فهذا إضطهاد حقيقى وليس مرضى.   


 


 


 


د. فائد اليوسفي


 


http://wata1.com/vb/

تمت طباعة الخبر في: السبت, 20-أبريل-2024 الساعة: 05:07 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.alganob.net/g/showdetails.asp?id=2363