شبكة أخبار الجنوب - عبدالكريم المدي

السبت, 16-مايو-2015
عبدالكريم المدي - شبكة اخبار الجنوب -
بسبب التراكم الضخم لمخلفات القمامة ومخلفاتها المتدفقة لشوارع وأحياء العاصمة صنعاء وغيرها من المدن الكبرى والمتوسطة هناك كارثة بيئية مرعبة في طريقها للانفجار العظيم الذي سعيد للأذهان فصولا من أوبئة القرن التاسع عسر والعام 1918 .
تأكدوا أنه في حال استمر الحال على ما هو عليه اليوم سوف تعود الكلويرا والتيفود وحمى الظنك والأودية المتصدعة والسليمة وجنون البشر والبقر والدجاج ، وكل أوبئة وأمراض العصور البدائية والوسطى وما قبل التاريخ وغيرها..
واقع اليمنيين اليوم بالفعل لم يعد محتملا ولا مفهوما لدى قطاع واسع من الناس ، دولاب الحياة شبه متوقف، عجلات القطار الذي حلمناه كثيرا ولم يأت كأنه يمشي للخلف ، أما الحصان فقد صار خلف العربة ، الليل والنهار يكاد التساوي أن يوحدهما ، لم يعد الكثير من بني وطني يستطيعون التفريق بين المجهول والمعلوم ، الوطنية والخيانة ، اليأس والرجاء ، الصديق و العدو ، الحق و الباطل ، الحزم والأمل ، المشي جوار مكبات النفايات في برازيليا عاصمة البرازيل ، وشوارع حدة والتحرير والزبيري وتعز في العاصمة صنعاء . الروائح الكريهة التي تزكم الأنوف وتجعل المرء يخر للأرض مغشيا عليه من شدة التعفن .
القمائم المتراكمة غدت عنوانا عريضاللحياة العامة في شوارعنا ومدننا ..أوبئة وسموم توزع بالتساوي على سكان العاصمة والمدن اليمنية الأخرى، ومصدرها تلك الجبال المتكدسة للمخلفات في الشوارع والأحياء السكنية ، والتي تتولد وتنمو كالجزر الجديدة ، ذات الجبال الشاهقة في البحار والمحيطات ، مع فارق في المحتوى والمكون والرائحة والمنظر الجمالي..

ياقوم الأزمة تتفاقم والمشاهد الإنسانية المؤلمة تتناسل في كل حي ومدينة وقرية بصورة مخيفة لدرجة أن نسبة غير قليلة من الناس يبد إنهم قد تكيفوا مع طوابير البؤس صاروا متعايشيين مع أسباب موتهم البطيء ، أو أنهم في حالة من الحيرة والاحباط الكاملين الذين عملا على الوقغ الجزئي لخلايا المخ .
صعب جدا أن تجد شعبا يقاد ، أو يقود نفسه إلى الهاوية من دون وعي منه ، أو مقاومة تذكر والأصعب من ذلك إن هناك قطاعا واسعا منه يبارك حتفه ويرقص لموته ويقبل الأيدي التي تقتله ..

المهم أحسب أن المحسنيين يوفرون للباحثين والصحفيين وللعالم الباحث عن مشاهد الاستمتاع بمعاناة أجزاء أخرى منه، الوقت والجهد في معرفة الوضع الإنساني الصادم في هذا الجزء المنسي من عالم اليوم ، ووضعه ، وتصنيفه في المرتبة التي يستحقها في قائمة الشعوب التي غدت تعييش على هامش الهامش وتحت خط خط الحياة وفقر الفقر والعوز .
على أية حال من اراد معرفة هذا الحال عن قرب فما عليه إلا التوجه لأقرب حي ، أو شارع في العاصمة صنعاء والتوقف فقط لدقائق جوار أحد الأماكن المحددة لتوقف أحد وايتات الماء التي يجود بها أهل الخير للناس ، والتي ما أن تصل إلا وتجد النفوس والحشود البشرية تهوى إليها من كل فج عميق وحي سحيق ، وكأنها تطوف حول البيت العتيق أول أيام التشريق ، أوحينما يتسابق الحجيج لشرف لمس الركن اليماني ونيل شرف وأجر لمسه والتمسح والتبرك به .. أما المشهد الجميل في هذا الأمر هو عدم التفريق بين اليمنيين و مئات الآلاف من اللاجئين والمقيميين الأفارقة الذين يتمتعون بالحق الكامل للتسابق على حنفيات هذه الوايتات ، حتى أنهم لا يجدون بأسا ولا عائقا في مزاحمة اليمنيين وفي أكثر الأوقات يحصلون على الماء قبلهم، وبكميات أكثر ، مستغلين طيبة وتسامح الأخيرين من جهة والفارق في البنية الجسمانية الضخمة التي يتمتعون بها من جهة ثانية.

مشاهد بالفعل لا تختلف عن أفلام هوليود لأكثر كتاب القصص والروايات الإنسانية نجاحا وتأثيرا في العالم والتي تدور أحداثها حول المآسي البشرية وتوحش الحروب وفتكها بكل مقومات وأساسيات الحياة..

أما النوع الآخر من الطوابير والمتمثلة بطوابير محطات البنزين وما يحدث فيها من أحداث مؤسفة وعراكات بالأيدي والخناجر والأسلحة والألسن وغيرها ، فحدث ولا حرج ، ولك أن تستدعى للتعبير عنها كل مفردات المأساة والألم والانهيار والحاجة والحرمان والظلم ، بشكل عام وأنت تشاهدما يجري في هذا البلد العربي الأصيل والصابر من أشياء وتطورات كلها تقود للكارثة وتنتج الكارثة وتحتفي بالكارثة وتهيء للجنون العام والشامل، ستجد نفسك تذوي وعيونك تظلم وقلبك يضييق وضميرك يتصدع وذهنك يتلاشى ...

إن الترجمة الحرفية لما يعيشه اليمنيون اليوم هي الضياع والغرق شيئا فشيئا في طوفان الفوضى والحرب الأهلية والسعير الطائفي والصراع الاقليمي الذي لم يكن للشعب اليمني فيه مصلحة ولا ناقة ، أو جمل ، لكن يبد أن هناك من أبنائه من يصر على هذا ويريد للناس العيش بدون أمل ولا مستقبل ولا كرامة ولا استقرار..
وربما يعود هذا لعمى أطماع السلطة ، أولشفرة العرقية والسلالية ، والأيديولوجيات ، المدفوعة بمؤثرات الخارج ، وعلينا أن لا ننس هنا ما يفعله الجهل ، والحماقة التي اعيت من يداويها..
تمت طباعة الخبر في: السبت, 04-مايو-2024 الساعة: 10:18 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.alganob.net/g/showdetails.asp?id=17342